كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد ورد في أوائل سورة آل عمران تحذير لليهود أن يصيبهم على أيدي المسلمين ما أصاب المشركين: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} فلما أبلغهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التحذير- الذي جاء ردًا على أفاعيلهم وما بدا منهم من الغيظ والدس والكيد عقب بدر- أساءوا أدبهم في استقباله؛ وقالوا: يا محمد. لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال. أنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وإنك لم تلق مثلنا. ثم مضوا في دسهم وكيدهم، الذي روت هذه السورة منه الوانًا شتى، حتى انتهى أمرهم بنقض ما بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من العهد. فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فأجلاهم عن المدينة إلى أذرعات.. وبقيت الطائفتان الأخريان: بنو قريظة وبنو النضير بالمدينة على عهدهما- في الظاهر- مع الكيد والدس والتلبيس والتضليل والبلبلة والفتنة.. وسائر ما برعت فيه يهود في تاريخها كله، وسجله عليها السجل الصادق- كتاب الله- وتعارفه أهل الأرض كلهم، عن ذلك الجنس الملعون!
وفي هذا الدرس استعراض لبعض أفاعيل يهود وأقاويلها. يبدو فيه سوء الأدب مع الله سبحانه بعد سوء الفعل مع المسلمين. وهم يبخلون بالوفاء بتعهداتهم المالية للرسول صلى الله عليه وسلم ثم يزيدون فيقولون: {إن الله فقير ونحن أغنياء}!
ويبدو فيه التعلل الواهي، الذي يدفعون به دعوة الإسلام الموجهة إليهم؛ وكذب هذا التعلل، ومخالفته لواقعهم التاريخي المعروف.
هذا الواقع الذي ينضح بمخالفتهم لعهد الله معهم، وبكتمانهم لما أمرهم الله ببيانه من الحق، ونبذه وراء ظهورهم وشرائهم به ثمنًا قليلًا. وبقتلهم أنبياءهم بغير حق، وقد جاءوهم بالخوارق التي طلبوها، وجاءوهم بالبينات فرفضوها.
وهذا الكشف المخجل لأفاعيل اليهود مع أنبيائهم، وأقاويلهم على ربهم، كان هو الأمر الذي يقتضيه سوء موقفهم من الجماعة المسلمة، وتأثير كيدهم ودسهم وإيذائهم- هم والمشركون- للمسلمين. كما كانت تقتضيه تربية الله للجماعة المسلمة تربية واعية؛ تبصرهم بما حولهم، وبمن حولهم؛ وتعرفهم طبيعة الأرض التي يعملون فيها، وطبيعة العقبات والفخاخ المنصوبة لهم، وطبيعة الآلام والتضحيات المرصودة لهم في الطريق.. وقد كان الكيد اليهودي للجماعة المسلمة في المدينة أقسى وأخطر من عداوة المشركين لهم في مكة. ولعله ما يزال أخطر ما يرصد للجماعات المسلمة في كل مكان، على مدار التاريخ..
ومن ثم نجد التوجيهات الربانية تتوالى على المسلمين في ثنايا الاستعراض المثير.. نجد توجيههم إلى حقيقة القيم الباقية والقيم الزائلة. فالحياة في هذه الأرض محدودة بأجل. وكل نفس ذائقة الموت على كل حال. إنما الجزاء هناك، والكسب والخسارة هناك. {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.. وهم مبتلون في أموالهم وأنفسهم، والأذى سينالهم من أعدائهم المشركين وأهل الكتاب. فلا عاصم لهم إلا الصبر والتقوى، والمضي مع المنهج، الذي يزحزحهم عن النار!
وهذا التوجيه الإلهي للجماعة المسلمة في المدينة ما يزال هو هو، قائمًا اليوم وغدًا، يبصر كل جماعة مسلمة تعتزم سلوك الطريق، لإعادة نشأة الإسلام ولاستئناف حياة إسلامية في ظل الله.. يبصرها بطبيعة أعدائها- وهم هم مشركين وملحدين وأهل كتاب- الصهيونية العالمية والصليبية العالمية والشيوعية!- ويبصرها بطبيعة العقبات والفخاخ المرصودة في طريقها، وبطبيعة الآلام والتضحيات والأذى والابتلاء. ويعلق قلوبها وأبصارها بما هنالك. بما عند الله. ويهوّن عليها الأذى والموت والفتنة في النفس والمال. ويناديها- كما نادى الجماعة المسلمة الأولى-: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}..
والقرآن هو القرآن. كتاب هذه الأمة الخالد. ودستورها الشامل. وحاديها الهادي. وقائدها الأمين. وأعداؤها هم أعداؤها.. والطريق هو الطريق..
{ولا يحسبن الذي يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير}..
لم ترد في الآية الأولى من هذه المجموعة رواية مؤكدة، عمن تعنيهم، ومن تحذرهم البخل، وعاقبة يوم القيامة.. ولكن ورودها في هذا السياق يرجح أنها متصلة بما بعدها من الآيات، في شأن اليهود. فهم- قبحهم الله- الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء. وهم الذين قالوا: إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار.
والظاهر أن الآيات في عمومها نزلت بمناسبة دعوة اليهود إلى الوفاء بالتزاماتهم المالية الناشئة عن معاهدتهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوتهم كذلك إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم والإنفاق في سبيل الله.
وقد نزل هذا التحذير التهديدي، مع فضح تعلات اليهود في عدم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ردًا على ما بدا من سوء أدبهم مع ربهم، ومن كذب تعلاتهم؛ ونزلت معه المواساة للرسول صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم، بما وقع للرسل قبله مع أقوامهم. ومنهم أنبياء بني إسرائيل، الذي قتلوهم بعد ما جاءوهم بالبينات والخوارق كما هو معروف في تاريخ بني إسرائيل: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير}..
إن مدلول الآية عام. فهو يشمل اليهود الذين بخلوا بالوفاء بتعهداتهم، كما يشمل غيرهم ممن يبخلون بما آتاهم الله من فضله؛ ويحسبون أن هذا البخل خير لهم، يحفظ لهم أموالهم، فلا تذهب بالإنفاق.
والنص القرآني ينهاهم عن هذا الحسبان الكاذب؛ ويقرر أن ما كنزوه سيطوقونه يوم القيامة نارًا.. وهو تهديد مفزع.. والتعبير يزيد هذا البخل شناعة حين يذكر أنهم {يبخلون بما آتاهم الله من فضله}.. فهم لا يبخلون بمال أصيل لهم. فقد جاءوا إلى هذه الحياة لا يملكون شيئًا.. ولا جلودهم..! فآتاهم الله من فضله فأغناهم. حتى إذا طلب إليهم أن ينفقوا {من فضله} شيئًا لم يذكروا فضل الله عليهم. وبخلوا بالقليل، وحسبوا أن في كنزه خيرًا لهم. وهو شر فظيع. وهم- بعد هذا كله- ذاهبون وتاركوه وراءهم. فالله هو الوارث: {ولله ميراث السماوات والأرض}.. فهذا الكنز إلى أمد قصير. ثم يعود كله إلى الله.
ولا يبقى لهم منه إلا القدر الذي أنفقوه ابتغاء مرضاته. فيبقى مدخرًا لهم عنده، بدلًا من أن يطوقهم إياه يوم القيامة!
ثم يندد باليهود الذين وجدوا في أيديهم المال- الذي آتاهم الله من فضله- فحسبوا أنفسهم أغنياء عن الله، لا حاجة بهم إلى جزائه، ولا إلى الأضعاف المضاعفة التي يعدها لمن يبذل في سبيله- وهو ما يسميه تفضلًا منه ومنة إقراضًا له سبحانه- وقالوا في وقاحة: ما بال الله يطلب الينا أن نقرضه من مالنا. ويعطينا عليه الأضعاف المضاعفة، وهو ينهى عن الربا والأضعاف المضاعفة؟! وهو تلاعب بالألفاظ ينم عن القحة وسوء الأدب في حق الله: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد}.
وسوء تصور اليهود للحقيقة الإلهية شائع في كتبهم المحرفة. ولكن هذه تبلغ مبلغًا عظيمًا من سوء التصور ومن سوء الأدب معًا.. ومن ثم يستحقون هذا التهديد المتلاحق: {سنكتب ما قالوا}..
لنحاسبهم عليه، فما هو بمتروك ولا منسي ولا مهمل.. وإلى جانبه تسجيل آثامهم السابقة- وهي آثام جنسهم وأجيالهم متضامنة فيه- فكلهم جبلة واحدة في المعصية والإثم: {وقتلهم الأنبياء بغير حق}..
وقد حفظ تاريخ بني إسرائيل سلسلة أثيمة في قتل الأنبياء، آخرها محاولتهم قتل المسيح عليه السلام.. وهم يزعمون أنهم قتلوه، متباهين بهذا الجرم العظيم..!
{ونقول ذوقوا عذاب الحريق}..
والنص على {الحريق} هنا مقصود لتبشيع ذلك العذاب وتفظيعه. ولتجسيم مشهد العذاب بهوله وتأججه وضرامه.. جزاء على الفعلة الشنيعة: قتل الأنبياء بغير حق. وجزاء على القولة الشنيعة: إن الله فقير ونحن أغنياء.
{ذلك بما قدمت أيديكم}..
جزاء وفاقًا، لا ظلم فيه، ولا قسوة: {وأن الله ليس بظلام للعبيد}..
والتعبير بالعبيد هنا، إبراز لحقيقة وضعهم- وهم عبيد من العبيد- بالقياس إلى الله تعالى. وهو يزيد في شناعة الجرم. وفظاعة سوء الأدب. الذي يتجلى في قول العبيد: {إن الله فقير ونحن أغنياء} والذي يتجلى كذلك في قتل الأنبياء..
هؤلاء الذين قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، والذين قتلوا الأنبياء.. هم الذين يزعمون أنهم لا يؤمنون بمحمد- محمد صلى الله عليه وسلم- لأن الله عهد إليهم- بزعمهم- ألا يؤمنوا لرسول، حتى يأتيهم بقربان يقدمونه، فتقع المعجزة، وتبهط نار تأكله، على نحو ما كانت معجزة بعض أنبياء بني إسرائيل. وما دام محمد لم يقدم لهم هذه المعجزة فهم على عهد مع الله!!
هنا يجبههم القرآن بواقعهم التاريخي.. لقد قتلوا هؤلاء الأنبياء الذين جاءوهم بالخوارق التي طلبوها وجاءوهم بآيات الله بينات: {الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين}.
وهي مجابهة قوية، تكشف عن كذبهم والتوائهم وإصرارهم على الكفر، وتبجحهم بعد ذلك وافترائهم على الله!
وهنا يلتفت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مسليًا مواسيًا، مهونًا عليه ما يلقاه منهم، وهو ما لقيه إخوانه الكرام من الرسل على توالي العصور: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير}.
فما هو أول رسول يتلقى بالتكذيب. والأجيال المتعاقبة- وبخاصة من بني إسرائيل- تلقوا بالتكذيب رسلًا جاءوهم بالبينات والخوارق، وجاءوهم بالصحائف المتضمنة للتوجيهات الإلهية- وهي الزبر- وجاءوهم بالكتاب المنير كالتوراة والإنجيل.. فهذا هو طريق الرسل والرسالات.. وما فيه من عناء ومشقة. وهو وحده الطريق.
بعد ذلك يتجه السياق إلى الجماعة المسلمة؛ يحدثها عن القيم التي ينبغي لها أن تحرص عليها، وتضحي من أجلها؛ ويحدثها عن أشواك الطريق ومتاعبها وآلامها، ويهيب بها إلى الصبر والتقوى والعزم والاحتمال: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}..
إنه لابد من استقرار هذه الحقيقة في النفس: حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوتة، محدودة بأجل؛ ثم تأتي نهايتها حتمًا.. يموت الصالحون يموت الطالحون. يموت المجاهدون ويموت القاعدون. يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون للعبيد. يموت الشجعان الذين يأبون الضيم، ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن.. يموت ذوو الاهتمامات الكبيرة والأهداف العالية، ويموت التافهون الذين يعيشون فقط للمتاع الرخيص.
الكل يموت.. {كل نفس ذائقة الموت}.. كل نفس تذوق هذه الجرعة، وتفارق هذه الحياة.. لا فارق بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة من هذه الكأس الدائرة على الجميع. إنما الفارق في شيء آخر.
الفارق في قيمة أخرى. الفارق في المصير الأخير: {وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}..
هذه هي القيمة التي يكون فيها الافتراق. وهذا هو المصير الذي يفترق فيه فلان عن فلان. القيمة الباقية التي تستحق السعي والكد. والمصير المخوف الذي يستحق أن يحسب له ألف حساب: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}..
ولفظ {زحزح} بذاته يصور معناه بجرسه، ويرسم هيئته، ويلقي ظله! وكأنما للنار جاذبية تشد إليها من يقترب منها، ويدخل في مجالها! فهو في حاجة إلى من يزحزحه قليلًا قليلًا ليخلصه من جاذبيتها المنهومة! فمن أمكن أن يزحزح عن مجالها، ويستنقذ من جاذبيتها، ويدخل الجنة فقد فاز.
صورة قوية. بل مشهد حي. فيه حركة وشد وجذب! وهو كذلك في حقيقته وفي طبيعته. فللنار جاذبية! أليست للمعصية جاذبية؟ أليست النفس في حاجة إلى من يزحزحها زحزحة عن جاذبية المعصية؟ بلى! وهذه هي زحزحتها عن النار! أليس الإنسان- حتى مع المحاولة واليقظة الدائمة- يظل أبدًا مقصرًا في العمل.. إلا أن يدركه فضل الله؟ بلى! وهذه هي الزحزحة عن النار؛ حين يدرك الإنسان فضل الله، فيزحزحه عن النار!
{وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}..
إنها متاع. ولكنه ليس متاع الحقيقة، ولا متاع الصحو واليقظة.. إنها متاع الغرور. المتاع الذي يخدع الإنسان فيحسبه متاعًا. أو المتاع الذي ينشئ الغرور والخداع! فأما المتاع الحق. المتاع الذي يستحق الجهد في تحصيله.. فهو ذاك.. هو الفوز بالجنة بعد الزحزحة عن النار.
وعندما تكون هذه الحقيقة قد استقرت في النفس. عندما تكون النفس قد أخرجت من حسابها حكاية الحرص على الحياة- إذ كل نفس ذائقة الموت على كل حال- وأخرجت من حسابها حكاية متاع الغرور الزائل.. عندئذ يحدث الله المؤمنين عما ينتظرهم من بلاء في الأموال والأنفس. وقد استعدت نفوسهم للبلاء: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}..
إنها سنة العقائد والدعوات. لابد من بلاء، ولابد من أذى في الأموال والأنفس، ولابد من صبر ومقاومة واعتزام.
إنه الطريق إلى الجنة. وقد حفت الجنة بالمكاره. بينما حفت النار بالشهوات.
ثم أنه هو الطريق الذي لا طريق غيره، لإنشاء الجماعة التي تحمل هذه الدعوة، وتنهض بتكاليفها. طريق التربية لهذه الجماعة؛ وإخراج مكنوناتها من الخير والقوة والاحتمال. وهو طريق المزاولة العملية للتكاليف؛ والمعرفة الواقعية لحقيقة الناس وحقيقة الحياة.